دينا محمود (لندن)

طالب خبراء أميركيون بارزون في مجال مكافحة الإرهاب الدول الغربية بإدراج الإخواني الهارب إلى قطر يوسف القرضاوي على قوائم الإرهاب، وبوضع حدٍ للسياسة المتساهلة التي تنتهجها هذه الدول معه ومع غيره من الشخصيات والجهات التي يستخدمها النظام القطري لتحقيق مآربه، واكتساب نفوذٍ على الساحتين الإقليمية والدولية.
وفي مقالٍ تحليليٍ مطولٍ، أكد كايل شايدلير الباحث المرموق في مركز «السياسات الأمنية» للدراسات والأبحاث في العاصمة الأميركية واشنطن، أنه يتعين على الغرب إدراك أن القرضاوي وجهاتٍ ومنظماتٍ مثل قناة «الجزيرة» و«مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع» ليسوا إلا «أدواتٍ للتأثير» يستغلها «نظام الحمدين» لخدمة سياساته التخريبية والداعمة للتطرف والإرهاب.
وأشار شايدلير - وهو خبيرٌ في شؤون الجماعات المتشددة في الشرق الأوسط - إلى أنه ينبغي على الدول الغربية الشعور بالقلق إزاء أنشطة النظام القطري والقرضاوي وكذلك جماعة الإخوان الإرهابية، على صعيد الترويج للتطرف والأنماط الأكثر تشدداً من التعاليم الدينية.
وفي المقال الذي حمل عنوان «رابطة قطر والقرضاوي»، قال المحلل الأميركي المخضرم إنه إذا كان الحال كذلك، فلا بد أن يتضاعف القلق الغربي في ضوء التحالف القائم بين «هذا الثالوث، الذي يجب إدراك أن تأثيره (مجتمعاً) يفوق مجموع أجزائه».
وشدد شايدلير على أن القرضاوي بالتحديد يلعب «دوراً محورياً في محاولات قطر لنشر نفوذها سواء في العالم الإسلامي أو في الغرب»، وذلك في ضوء الصلات الوثيقة التي تربطه بالكثير من المؤسسات الدينية الموجودة في العديد من الدول الغربية، وكذلك في ظل المحاولات المحمومة التي قام بها على مدى عقودٍ طويلةٍ، للتظاهر بالاعتدال ومساعدة الأقليات المسلمة في العالم على التواؤم مع المجتمعات التي تعيش فيها.
واستعرض الخبير الأميركي في مقاله - الذي نشره موقع «آيه آي جيه آيه سي» الأسترالي الإلكتروني - طبيعة التحالف الشيطاني القائم بين «نظام الحمدين» والقرضاوي وجماعة الإخوان الإرهابية، قائلاً إنه «بينما توفر قطر الأموال ووسائل الإعلام التي تصل إلى مناطق مختلفةٍ من العالم، يوفر القرضاوي (ما يبدو أنه) مشروعيةٌ فكريةٌ وإيديولوجيةٌ، بينما تقدم جماعة الإخوان شبكةً دوليةً من النشطاء.. في مختلف أرجاء منطقة الشرق الأوسط وقارتيْ أوروبا وأميركا الشمالية».
وأبرز الكاتب إصرار الدويلة المعزولة على تجاهل الانتقادات اللاذعة الموجهة إليها، ومواصلة استضافة الإخواني الهارب جنباً إلى جنب مع الكثير من القيادات الأخرى المتطرفة بمن فيهم أشخاصٌ ضالعون في أعمال عنفٍ دموية، إلى حد أنها تستضيف «سفارةً غير رسميةٍ» لحركة طالبان الأفغانية.
واعتبر شايدلير أن ملف استضافة هؤلاء المتطرفين والإرهابيين عاد بقوة إلى السطح مع الخطوات التي اتخذتها الكثير من الدول العربية لتصنيف عددٍ كبير منهم على قوائمها للإرهابيين، مؤكداً أن القرضاوي هو أكثر أولئك الأشخاص خطورة وسوء سمعة في الوقت ذاته.
واستعرض الكاتب المسيرة الدموية لهذا الرجل منذ مولده في مصر عام 1926، قائلاً إنه كان أحد أوائل الأعضاء في جماعة «الإخوان» الإرهابية، وبدأ أنشطته المناوئة للسلطات المصرية منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في خمسينيات القرن الماضي.
وأشار المقال إلى المعاملة الخاصة والاستثنائية التي يحظى بها هذا الرجل من جانب «نظام الحمدين» في الوقت الراهن، والتي تتمثل في كونه يعيش في الدوحة «ضيفاً شخصياً على حاكم قطر تميم بن حمد، ومرشداً روحياً له».
وشدد على أن القرضاوي لا يزال برغم حياته في المنفى «أحد أشد أنصار الإخوان وأنشطتها السياسية وشبه العسكرية»، مُبرزاً دوره المشبوه في هذا الصدد بالقول، إن هذا الرجل التسعيني يواصل تقديم «إرشاداته الإيديولوجية» لعناصر هذه الجماعة الإرهابية، التي انبثقت منها عشرات التنظيمات المتشددة في شتى أنحاء العالم.
وشدد الخبير الأميركي البارز على خطورة الدور الذي لعبه «نظام الحمدين» في دعم يوسف القرضاوي على الساحتين الإقليمية والدولية، قائلاً في مقاله: «لم يكن للقرضاوي أن يحظى بهذا التأثير (المُخرب) بدون مساعدة أسرة آل ثاني الحاكمة في قطر ودعمها، إذ أن هذه الأسرة كانت بمثابة راعٍ له منذ نُفي للمرة الأولى إلى الدوحة في ستينيات القرن الماضي، ومُنِح الجنسية القطرية».
وأشار المقال، إلى أن القرضاوي وصل إلى قطر في فترةٍ كانت لا تزال فيها «محميةً بريطانيةً»، تفتقر إلى مؤسساتٍ دينيةٍ لها ثقلها، وهو ما أتاح له الفرصة ليصبح رجل الدين الوحيد البارز في هذا البلد. وواصل المرشد الروحي للجماعة الإرهابية التمتع بهذا الوضع طيلة العقود التالية لذلك، إلى حد أنه وُصِفَ من جانب السفير الأميركي لدى الدوحة عام 2005 في برقيةٍ بعثها لوزارة الخارجية في واشنطن، بأنه يبدو «المفكر الإسلامي الوحيد ذا الحيثية في قطر». وأبرز شايدلير انخراط القرضاوي خلال وجوده في الدوحة في تخريب المؤسسات القطرية، بادئاً بالنظام التعليمي إذ عمل في معهدٍ دينيٍ بالتعليم الثانوي، قبل أن يتولى في وقتٍ لاحق منصب عميد كلية الشريعة بجامعة قطر.
ولم يغفل المقال العلاقات الوثيقة التي تربط القرضاوي بـ «مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع»، موضحاً أن هذه المؤسسة «المستقلة اسمياً عن الحكومة القطرية، تعمل كأداةٍ لتعزيز نفوذ الدويلة المعزولة والترويج لأهدافها»، وللنمط المتشدد الذي يتبناه الإخواني الهارب.
ولم يغفل المقال، الإشارة إلى إفساح وسائل الإعلام التي تموّلها السلطات القطرية مساحاتٍ واسعةً من بثها للقرضاوي، وهو ما أكسبه لبعض الوقت حضوراً إعلامياً واسعاً.
ومن أبرز المنابر الإعلامية القطرية التي تُسخِّر إمكانياتها للترويج للقرضاوي، شبكة «الجزيرة» التي تديرها الحكومة القطرية، والتي فتحت الباب أمامه لإلقاء كلماتٍ تحريضيةً ومؤججة للاضطرابات في الشرق الأوسط.
ووفقاً للكاتب، لم يقتصر الدعم القطري للقرضاوي وتوظيفه لخدمة مصالح «نظام الحمدين» على إظهاره في وسائل الإعلام الحكومية والممولة من هذا النظام فحسب، بل شمل منحه أدواراً مثيرةً للجدل في القطاع المصرفي، إذ اختير مستشاراً لعددٍ من مصارف الدويلة المعزولة مثل مصرف قطر الإسلامي، والمصرف الدولي الإسلامي، وبنك قطر الوطني، وهي كلها مؤسساتٌ مصرفيةٌ موضوعةٌ على القائمة السوداء من جانب دولٍ عربيةٍ بسبب صلاتها بالقرضاوي وجهاتٍ مرتبطة بالإخوان.
وترتبط المصارف القطرية - التي لعب القرضاوي دوراً استشارياً بارزاً فيها - بمؤسسة «قطر الخيرية»، التي لها تاريخ طويل في دعم التنظيمات الإرهابية.

أكاذيب الاعتدال
أكد كايل شايدلير أنه لا صحة لما يزعمه البعض من تبني يوسف القرضاوي أفكاراً دينيةً معتدلة، مُشيراً إلى أن هذا الرجل طالما أقر العنف والإرهاب كوسيلةٍ لتحقيق الأهداف التي يؤيدها. واستعرض في هذا الصدد ما ادعى القرضاوي أنها «فتاوى» برر بها على مدار سنواتٍ طويلةٍ سفك الدماء، وقتل أشخاصٍ بينهم مدنيون، والحض على السفر إلى سوريا وليبيا للمشاركة في الاضطرابات الدموية التي تجتاح البلدين، بل ومهاجمة الدولة المصرية ومنشآتها بعد ثورة يونيو 2013 التي أطاحت بحكم الإخوان.
وفي ختام مقاله، خلص شايدلير إلى القول إنه على الرغم من تقدم سن الإخواني الهارب فإن «البنية التحتية (للتطرف والإرهاب) التي أسسها، ومولتها قطر واستضافتها وقدمت لها الدعم كذلك، ستبقى قائمةً لخدمة الأجندة القطرية والمتشددة». واعتبر أن ذلك «سيظل نقطةً رئيسية للتوتر بين قطر وجيرانها الخليجيين»، في إشارةٍ إلى الأزمة المستمرة منذ منتصف عام 2017 بين النظام القطري من جهة، والدول العربية الأربع الداعمة لمكافحة الإرهاب (السعودية والإمارات ومصر والبحرين) من جهةٍ أخرى.